في جلســته الشـــهرية «فتــح كتــاب» … مع أدونيس ورحلتـــه

العدد: 9457

الثلاثاء: 29-10-2019

 

عندما يتقد الفكر، يولد أبناء الحياة حاملي مشعل الدرب، لتولد الحضارة، في عالم مازال يبحث عن أسئلته، وما زالت الحيرة تقضّ مضاجع الكثير من العقول، فالحياة بحد ذاتها ما زالت لغزاً، فكيف إذا كانت مسيرتها مملوءة بنا، بأفكارنا، بمشاعرنا، بأحلامنا وآمالنا، تلك الأحلام التي عمرت أجيالاً عدة وتهدّمت عند أجيال عديدة، لكن العقل مازال ينبض بحسه وما زالت الدماء تضج بحيوية السؤال وما بعد السؤال…

(أدونيس) كان حاضراً عند مفترق زمني مهمّ يمرّ به بلدنا الحبيب، ولما حمله هذا السوري من جدلية عميقة، حرّكت ومازالت تثير زوبعة من الأسئلة التي قد يغلق عليها البعض أبوابه، بينما يفتح آخرون لها الباب على مصراعيه.
(فتح كتاب) فتحت العقل للقراءة وللحوار والنقاش ضمن مجموعة من المثقفين السوريين بإدارة مسؤولة المجموعة م. وصال يونس حيث تتم مناقشة نتاجات أدبية محلية أو عربية أو عالمية، تضعه على الطاولة وبين دفتي الكتاب يكون الحوار عميقاً وبلا مواربة تتجرد الكلمات، وتستبيح السؤال في حوار عقلي حضاريّ يليق بمفهوم إنسانيتنا.
في جلسته الشهرية الأخيرة (فتح كتاب) كانت مع وحول المفكر السوري العالمي (أدونيس) في المكتبة العمومية بدار الأسد باللاذقية كان اللقاء الشهري الأخير الذي بدأ حواره مع مسؤولة المجموعة م. وصال يونس وقرأت مقتطفات من قصيدة (الوقت) لأدونيس من ثم كانت البداية لـ (نذير حسن) وهو مفتش هيئة مركزية سابق حيث بدأ حديثه عن أدونيس معرّفاً به قائلاً في مقطعات: (أدونيس هو علي أحمد سعيد إسبر الذي ولد في غرة 1930 في قرية قصابين التابعة لمنطقة جبلة، وقد تعلم القراءة والكتابة قبل دخوله المدرسة، قيض له أن يلقي قصيدة أمام رئيس الجمهورية شكري القوتلي عندما زار اللاذقية عام 1943 وأعجب الرئيس بالقصيدة، حيث أرسله ليلتحق بالمدرسة العلمانية في طرطوس، والتحق بكلية الآداب بجامعة دمشق وتخرج عام 1954من قسم الفلسفة، وكان منذ عام 1948 قد درج على استخدام اسم (أدونيس) حيث لن ينادى إلا بهذا الاسم وسيصبح الأكثر شهرة بين الشعراء والكتاب، غادر إلى لبنان ليلتقي مع يوسف الخال و أصدرا مجلة (شعر) ومجلة (مواقف) التي استمرت حتى 1994، وفي عام 1973 التحق بالجامعة اليسوعية برسالته (الثابت والمتحول بحث في الإبداع والأتباع عند العرب) لنيل شهادة الدكتوراه، كما استعرض نذير الحسن بعض عناوين أعماله، وآخر ما صدر للشاعر أدونيس الذي كان (سوريا وسادة للسماء والأرض) قدم فيه صورة عن سورية من حيث روعتها وروعة شعبها قبل المؤامرة عليها وقد شاركه العمل المصور الفنان فادي مصري زادة، وتابع الحسن عن أدونيس واستعرض قول الناقد الدكتور(صبري يوسف) في كتابه (تجليات الخيال) إنه قامة أدبية ونقدية فكرية تنويرية راقية، يحتكم إلى العقل والفكر النقدي والآراء الخلاقة درس بتمعن التاريخ العربي، وحلل أسباب تخلفه وتقهقره، وقدم الأفكار والمقترحات التي تساعد على التخلص من الواقع المزري، الذي يعيشه العالم العربي.

وفي مداخلة للدكتور نبيل زمام (اختصاصي وجراح أوعية دموية) الذي لفت الانتباه وبأسف إلى عدم منح أي دولة عربية لأدونيس أي جائزة، بل حصل على العديد من الجوائز من مؤسسات ثقافية عالمية تتوزع اعتباراً من اليابان وحتى أمريكا، وتابع مداخلته في هذا الموضوع شارحاً بعض الأسباب متحدثاً عن أدونيس ورحلته الإبداعية.
ليأتي دور الحديث للمهندس المدني (فيصل زلف) الذي قرأ قصيدة لأدونيس بعنوان (أول الاجتياح) ثم تابع زلف حديثه قائلاً: (أدونيس ليس شاعراً فقط، ما يميزه عن بقية الشعراء هو أن لديه مشروعاً ثقافياً كبيراً، وفي ما يشكل مغامرة فكرية وثقافية حفرت عميقاً في العقول والقلوب، أدونيس روح دائمة التجدد، وأدونيس شاعر ومفكر، ومن لم يطَّلع و يفهم فكره لا يستطيع أن يفهم شعره .فأدونيس هو القائل: الشاعر الكبير يجب أن يكون مفكراً كبيراً، و ذكر المعري كمثال، كما يجب القول بأن أدونيس يكاد يكون الوحيد بين الشعراء الذي لديه مشروع ثقافي كبير ومغامرة فكرية حفرَت في كل القلوب والعقول، كما أشار زلف إلى موضوع رفض أدونيس الثنائيات المتناقضة المتصارعة حيث قال عنه في هذا: ما يميز فكر أدونيس أيضاً أنه يرفض الثنائيات المتصارعة، الحزن والفرح ، المادة والروح، الروح والجسد، الشكل والمضمون).
وتحدثت رحاب جعبري والمحامية نوال غزال والأستاذة الجامعية ماينا رويحة والأديب الحر غزال والمدرسات في القطاع التعليمي والتربوي رنيم صقر وجدوى عبود واعتدال حسن التي قالت في مداخلتها عن الثابت والمتحول: بالأصل هو رسالة لنيل درجة الدكتوراه، وصدرت عام 1973 بعنوان (بحث في الإبداع والأتباع عند العرب) وقد أحدث ولايزال سجالاً فكرياً، وطبع حتى الآن ثمان مرات مما يدل على رواج أفكار (أدونيس) وللحالة السجالية التي ما زال يثيرها، يرى أدونيس في الجزء الأول والمعنون ب (الأصول) إن المسلمين الأوائل فكروا وسلكوا انطلاقاً من إيمانهم بأن الدين الإسلامي أساس ومقياس للنظرة إلى الغيب وإلى الحياة الإنسانية معاً وربطوا بين الدين وتنظيم الحياة من جهة، وبين اللغة والفكر من جهة ثانية.
كما تتابع النقاش والحوار عن أدونيس مع الشاعرة سارة حبيب، وعبد اللطيف مطر وسيف المحمود بمداخلات في اتجاهات عدة وفي مداخلة قيمة في هذه الجلسة أضافت المربية والمفتشة التربوية عبير ملحم قائلة: (أدونيس ابن شرعي لمنهج التصوف العلماني البحثي بعد مقارنة بينه وبين شعراء التصوف العرب والغربيين فوجدت أنه الوحيد الذي عرف الله حقاً، وهو الوحيد الذي لم يرم أسباب حزنه وسعادته على الله، أدونيس مطلع على كل الديانات السماوية والأرضية وعرف أن الإله هو الإنسان وإن الإله هو الحب وما بينهما تكمن سعادة الروح).
أما الشاعرة المهندسة رماح بوبو فقد نوهت في مداخلتها قائلة: (إن من لم يقرأ فكر أدونيس يصعب عليه فهم شعره، هو الذي دعا الشعر إلى الكشف الذي تضيق عليه اللغة ودعا لقراءة التراث لا لمحاكاته كما هو، بل لغربلته والبناء عليه بما يصلح لمتابعة الكشف والغوص في الرؤى بما يسمح برؤيا أكثر اتساعاً، فدعا التجربة الصوفية لمبارحة فضائها والانفتاح على أفق المطلق).
وعبرت الكاتبة القاصة عتاب كوسا مسؤولة تبادل الكتب ضمن أعضاء المجموعة في رأي قالت فيه: (مع أدونيس لا يمكن إلا المقارنة مع المعري وقوله لا إمام سوى العقل، يتفق معه من ناحية الشعر أيضاً، وكذلك أدبياً وفكرياً وخاصة بعلم اللسانيات لا يمكن إلا ومقارنته مع الجاحظ وتهكمه من كل ما يجد اللغة من قواعد وخاصة قصته مع الفراهيدي وعروضه).

سلمى حلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار