النثـــــر المختــــــلف ..

العدد: 9454

الخميس:24-10-2019

دراسة في ديوان (لغة مختلفة) للشاعر ماهر نصر رجب.
الأدب ظاهرة اجتماعية إنسانية مرتبطة بتطور الثقافة البشرية والمدى الذي وصلت إليه الجماعات الإنسانية في أنسنة الإنسان و في فهمه للكون والعالم والبيئة المحيطة والذات البشرية.
الشعر ألق البشر الذين يراودهم شبق الأحلام، عالم الخيال والابتكار والابهار، كائن حي يزدهر ويحيا بسمو مبدعيه، تخرج فيه اللغة عن طورها الرتيب وتنفرط حبّات الحروف من عناقيدها لتدغدغ المشاعر الناعسة و الأحلام المشتهاة، تتعارك روحه المعذبة بالشعر مع اللحظة الضاغطة على خياله القلق، يدخل ساحة النزال حاملاً مخيلته الملتهبة وكلماته الأنيقة وذاكرته التي تؤرقه التي يعتمل فيها الحب وتتعاظم ألهبته، وفي أحياناً كثيرة ينسى الشاعر أنّ عقله الذي يتكلم بل قلبه.
التعايش بين الشعر والشاعر هو تعايش مع كل شيء في الوجود، والتجربة الإبداعية هي نتاج معاناة الفرد من الهموم والذات والوجود، والحملة الشعرية تتحمّل أعباء حياة صاحبها على كاهلها في رؤية واضحة الاتجاه بعيداً عن الأرستقراطية اللغوية المريضة التي لا تقول شيئاً.
الأنثى مركز إلهام للشعراء لإبداع قصائد تحرّض السعادة على البزوغ كالحلم حين يوظف على ماهية الاشتياق والتواصل مع الجنس الآخر من متطلبات الحياة الإنسانية كطبيعة بشرية فطرية من الصعب مقاومتها .. نحن أمام شاعر من شغف وغرام شفَّه الوجد وأضناه الهيام، الأنثى لديه محور الحياة ومفتاح البقاء، حاضرة في أغلب قصائده التي ينسجها من صحوه وأحلام يقظته وهمومه التي تشغل باله وكيانه وتؤرق نومه.
لغة مختلفة: باكورة الأعمال الشعرية وأولى إصدارات الشاعر المختلف ماهر نصر رجب ديوان استوحى عنوانه من التطلع لتقديم المختلف الغير مطروق والبوح بالمشاعر الوجدانية والإنسانية، يطغى عليه الهمّ الذاتي الوجداني والعاطفي يعبر عن خلجات شاعر استعان بالرمز والصورة المركبة للتعبير عما يجول في خاطره يتناول فيه العديد من الموضوعات (الأنثى – الوجد – الحب – الأم…) بعبارات شعرية متدفقة مفصلة على قياس المعنى.
في قصيدة (ما ذنبي) تظهر الأنثى هي اللؤلؤة والقمر المضيء في حياتنا، لكن سلالم الأنوثة ليست سهلة كما يتصورها البعض، فهناك من يتوق ولا يصل ويشتهي ولا ينال ويعي كيف يتحرر من هذا الهمّ الذي أنهكه حتى التعب، فبذرة الحب هي مستصغر الشرر الذي يقدح مشعلاً الجمر في قلب الشاعر وهو الذي يجعل المرء يرنو للحياة بعين التفاؤل فلا شيء يجمّل الحياة إلا الحب وهو الذي يعمي العينين عن رؤية أي شيء آخر سوى الزهور والعطور.. ذات الشاعر غمرتها الخيبات وصارت بلا أحلام وبفرح عابر وحزن مقيم تنساب عاطفته رويداً رويداً في سفر العمر الحارق للكبد الطاحن للأضلاع، كان يحلم بحمل محبوبته إلى مخدع كالعش المحجوب عن العيون مخبوء بين الماء والغصون، فتحول إلى هتك أستار وكشف أسرار يحسّ بألمه اللذيذ ويعاني لذته المؤلمة، لكن واويلتاه كلما لج في الطلب، لجّ الزمان في الهرب وأجواء الحب صار يراودها النعاس.
ما ذنبي.. إذا غدرتني من أسميتها..
بحري وشعري.. نثري وقمري وعطري..
ووشت بي لكل واشٍ..
وكادت لي أبشع المكائد ص8
تغرد موضوع الحب وتربّع سلطاناً على قلوب البشر، حبل سري يربط مصائد المحبين بمشيمة رباطه المقدس، يأسر الفؤاد ويضرب جذوره عميقاً في الحنايا تنغرز في الشغاف كالوشم لا يبغي براحاً أو فكاكها، وليلهب الجذوة الهاجعة تحت الرماد.. في قصيدة انفجار نحن إزاء شاعر مغامر عاطفي انفجاري في غضبه وعواطفه ومشاعره، غزا قلبه الحب، يصور لقاءها وهي تقبل بأفوافها الرقيقة باسمة المراشف تضحك من غير صوت وتروعه بنظراتها المثقلة بإغراء حالة تخزل الزمان والمكان فيها الكثير من البوح العاطفي والتكثيف الحسي:
لقاؤنا..
كالتقاء الشمس بالأرض..
مصيرها الحتمي…
الانفجار ص20
الحبّ بمفهومه الكوني حاجة إنسانية عليا وخشبة خلاص، يمكن إعادة تشكيل الحياة بواقعية بمفرداتها الصعبة الشاعر يتطلع إلى ربيع دائم لا تنقطع نضرته وخضرته، يناجيها وقد نصب شراكه وأدار لها فخاخه وهيأ شباكه لاقتناصها، يرى في معشوقته التي رهن لها العمر الآتي وما تبقى من عمر سيأتي وأحس أن أفراحه تتلاطم لتلتهم الكرة الأرضية كلها، قصيدة (كل النساء) قصة عاشق يلسعه الوجد كوخزة رمح مسموم يطارد همس تنفس الصباح وخلجات عسعسة الليل ينسج من حرير الروح بدلة الأحلام:
سأسرق نفسي من أوراقي وحروفي..
من أشعاري ورفاقي وأشغالي
سأصرخ بملء حنجرتي أحبك..
يا أنثى جمعت فيها الأم والأخت والصديقة والحبيبة
فصارت كل النساء ص14
الأم حاضرة في كل أسرة ومجتمع تمد الحياة بطاقة حب كامنة، هي مضرب المثل بالعطاء والوفاء تنام وقلبها مستيقظ تحضن طيف أبنائها تعزف لهم الأنغام المفعمة بالحب والحنان على أوتار الفؤاد… قصيدة (الأم) تختزن الكثير من العاطفة والوفاء يبدو فيها مشبعاً بشجن الماضي والطفولة وتجاذبات الحياة التي عاشها، يقدس تعب وسهر الأم التي استوطنت صوته وشعره كما يستوطن السكر شرايين العنقود، يقرأ في وجهها المشرق تاريخه الشخصي ومستقبله وهي ترفل بثوب النقاء أميرة متوجة فوق الذرا في عالم يحتفي بالسمو والحب وكاختلاطات المشاعر البكر المجبولة بعبير التراب بعد زخة مطر:
أسألك يا ربّ العباد..
أن تحفظ أمي وتعطيها الأمان..
فمن روحها روحي..
ومن وجودها وجودي
وبدموعها زهور عمري تروي..
وبدعائها تيسير دربي ص100

نعمان إبراهيم حميشة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار