الوحدة – تمام ضاهر
خلال عام من انتصار الثورة السورية شهدت البلاد حراكاً سياسياً ودبلوماسياً فعالاً، استطاعت من خلاله الحكومة السورية الجديدة، وعبر محطات عديدة ومؤثرة، تحقيق إنجازات هامة على الصعيدين السياسي والدولي. وبنجاح واقتدار تمكنت القيادة السورية، من خلال دبلوماسية نشطة، من نقل البلاد من شبه عزلة إقليمية ودولية فرضها النظام البائد، إلى استعادة دورها ومكانتها في محيطها الإقليمي والعربي والدولي.
الدكتور بسام أحمد، أستاذ القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة اللاذقية، أكد في تصريح خاص لصحيفة الوحدة أن سوريا تعرضت منذ عام 2011 إلى عقوبات اقتصادية ودولية، ووُضعت في شبه عزلة دولية بهدف الضغط على النظام السابق الذي اتبع أساليب قمعية ضد المطالب السلمية للشعب السوري. وأشار إلى أن دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، ومعها معظم دول العالم، اتخذت إجراءات ضد الحكومة السابقة للضغط على النظام لتغيير سياساته، وأن ذلك استمر فترة طويلة جداً، مؤكداً أن الشعب السوري دفع ثمناً غالياً نتيجة هذه الإجراءات، ونتيجة تعنت الحكومة السورية آنذاك ورفضها جميع مشاريع التسوية والحلول السلمية داخلياً وخارجياً، من خلال عدم انصياعها لقرارات الشرعية الدولية.
واعتبر أستاذ القانون الدولي أن هذه الأسباب قادت إلى عزلة سوريا الدولية، لكن بعد إسقاط النظام السابق وانتصار الثورة السورية، كان من الطبيعي أن تعود العلاقات إلى مسارها الطبيعي، فالعقوبات حالة استثنائية، بينما التعاون بين الدول هو القاعدة. والأصل أن تعود سوريا إلى هذه القاعدة، لافتاً إلى أن العلاقات عادت فعلاً بشكل أو بآخر، وذلك من خلال ترحيب الدول بالحكومة والقيادة السورية الجديدة بعد انتصار الثورة، وتحقيق آمال الشعب السوري في النهوض والتنمية والتنظيم السياسي، وعودة دور سوريا في الإقليم والعالم.
وأشار الدكتور أحمد إلى أن هذه المقدمات ترافقت مع سياسة انفتاح إيجابية انتهجتها الحكومة السورية الجديدة عبر زيارات خارجية ودبلوماسية عديدة للسيد الرئيس أحمد الشرع إلى دول فاعلة ومؤثرة في العلاقات الدولية، بدءاً من الاتحاد الأوروبي وفرنسا، وصولاً إلى الزيارة الأخيرة للولايات المتحدة الأمريكية ولقائه الرئيس ترامب في أكثر من مناسبة. واعتبر أن ذلك يشكل سابقة في العلاقات الدولية، عندما تقوم دولة كبيرة ومؤثرة كالولايات المتحدة خلال فترة قصيرة بالاعتراف بالحكومة السورية الجديدة وتأييدها، إضافة إلى تأييد مماثل من جامعة الدول العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي باركت بقوة هذا التغيير.
ولفت الدكتور أحمد إلى أن إعادة العلاقات إلى مجراها الطبيعي ينبغي أن ينعكس مباشرة على الواقع، من خلال الدعم المالي والاقتصادي وتشجيع الاستثمارات وتفعيل الاتفاقيات الاقتصادية التي جرى توقيعها مؤخراً بين سوريا وهذه الدول. واعتبر أن تفعيل هذه الاتفاقيات من شأنه أن ينعكس إيجاباً على الأوضاع الاقتصادية والاستثمارات المحلية، مشيراً إلى أن الأمر يبدو أنه يحتاج إلى مزيد من الوقت. وأضاف: إننا نأمل من هذه الدول، وبسبب استمرار الحرب في سوريا لفترة طويلة، الإسراع في تفعيل هذه الاتفاقيات، لأن بلداً مثل سوريا شهد حرباً من 2011 وحتى 2025 لا يحتمل المزيد من الانتظار، وأن الواقع الاقتصادي يحتاج إلى الخروج من عنق الزجاجة الذي تسبب به النظام السابق، والذي أدى إلى حالة إغلاق شبه تام أوصلت الشعب السوري إلى مستويات كبيرة من الفقر والتردي الاقتصادي. وتابع: إننا نأمل من هذه الدول تلبية متطلبات السوريين وطموحات القيادة الجديدة عبر تفعيل هذه العلاقات بما ينعكس سريعاً على الواقع الاقتصادي ويسهم في تحسينه في مختلف المجالات.
وعلى صعيد العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات المغلقة بعد التحرير أكد أستاذ القانون الدولي أن هذا الأمر ضرورة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية، فالدول لا تستطيع تنفيذ سياساتها من دون ممثليها الدبلوماسيين وسفاراتها. وأشار إلى أن معظم الدول أعادت فتح سفاراتها في دمشق، مشدداً على أهمية تفعيل دور هذه السفارات بشكل أكبر وبما يلبي طموحات السوريين، وأن تستعيد سوريا مكانتها كدولة فاعلة في محيطها الإقليمي والدولي. واعتبر أن هذا الأمر ليس سهلاً، فالبلاد ما تزال في مرحلة التخلص من آثار الماضي وإزالة أنقاضه، وأن الانتقال من مرحلة إزالة الأنقاض إلى الإعمار يحتاج إلى وقت وجهد كبيرين.
وأضاف الدكتور أحمد أن سوريا اليوم تشهد تصميماً وانطلاقة قوية نحو الأمام، يتجاوز فيها السوريون الماضي ويتطلعون إلى المستقبل بخطى وئيدة، مؤكداً أن هذا المسار يحتاج إلى العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية وتفعيلها.
واعتبر أن المسألة تتحدد بقدرة الدولة وإرادتها على تحقيق التنمية وإنعاش البلاد من جديد، مشدداً على أن سوريا ماضية في هذا الطريق، وأن الحكومة السورية الجديدة تنتهجه بمرونة كبيرة، منطلقة من ظروف الواقع السوري وما مرت به البلاد خلال السنوات الماضية.
واختتم الدكتور أحمد تصريحه للوحدة بالقول: إن الحكومة السورية ليست منفصلة عن الشعب ولا عن ظروفه، ولا يمكن أن تعيش بمعزل عنه، وإن السياسة السورية تواكب هذه الظروف للوصول إلى سياسة مقبولة محلياً ودولياً، وبما يخدم قضايا وتطلعات الشعب السوري.