الوحدة – ريم جبيلي
هيام علي بدر ابنة مدينة اللاذقية، فنانة تشكيلية تتنفس البحر وتحتضن الجبل.. ترعرعت وسط عائلة فنية.
إنجازها في الفن التشكيلي أخذ منحىً غير تقليدي، حين اختارت احتراف تشكيل الحجارة من جبل صافون، وتُعدّ اليوم من أبرز الفنانات التشكيليات السوريّات اللّواتي اخترن خامة الحجر والحصى في تشكيل اللوحات.
هذا الحوار الروحي مع المادة الصلبة يُشكّل دلالة على رصيدها العميق في التعبير الفني، الذي يتجاوز المتوقّع.
تشكيلٌ بحجارة صافون
منذ بواكيرها الفنية، أخذت التشكيلية هيام على عاتقها مهمة تخليد الحجارة التي تجمعها من شواطئ اللاذقية وجبل صافون، وتحويلها إلى “لوحات” تذوب فيها الفكرة مع الخامة، حيث تعمل على تثبيت الحجارة فوق خلفيات من خشب أو مرآة أو قماش، مع تدخّل باللون والتكوين لتولد إيحاءً بصرياً مفعماً بالشعور والعاطفة.
وقد اعتُبر فنّ التشكيل بحجارة صافون –الذي برع فيه أخوها الفنان نزار علي بدر– مدرسة قائمة بذاتها، تنتقل من الحفر والنحت إلى التجميع والتكوين البصري، فهي لم تكتفِ باستقاء أفكارها من هذا الفن ومحاكاته، بل ارتقت به إلى لغة تشكيلية تحمل بصمةً شخصية خاصة بها.
رسائلها الفنية: الإنسان والوطن، المعاناة والأمل
في حوارٍ سابق لها ذكرت الفنانة هيام أن أعمالها تتناول موضوعات كبرى: الوطن، الحرب، السلام، العشق، الهجرة، والطبيعة، ومن بين رسائلها الفنية: إبراز صورة المرأة السورية، وتسليط الضوء على الفقراء والمعاناة الإنسانية، والعركيز على العلاقة بين الإنسان والمكان: البحر، الحجر، الجبل، والساحل..
من هذا المنطلق، يمكن القول إن أعمالها لا تكتفي بالجماليّات وحدها، بل هي فكر، تأمّل، وصوتٌ للحجر والبشر.
المشاركات والمعارض
لبّت التشكيلية هيام دعوات عدة للمشاركة في معارض عربية وأجنبية، وقد أقامت معرضاً فردياً في مدينة اللاذقية عرضت فيه أكثر من مئة لوحة مثبتة، كما حوّلت جزءاً من حديقة منزلها إلى معرض دائم لأعمالها.
ولكونها تمثّل حالة فريدة، وامرأة سورية تعمل بخامة غير تقليدية (الحجر من جبل صافون)، وتمنحها روحاً وتعبيراً، فإن رسالتها تتعدى الفنّ إلى الإنسان والبيئة والوطن، ما يجعل أعمالها محطّ تأمّل، وكذلك لأنها تجسّد كيف يمكن للفنّ أن يحوّل مادة خاماً (الحجر) إلى لغة بصرية تعبر عن الجرح والأمل معاً؟!.
في الختام
هيام علي بدر ليست فنانة تُشكّل حجارة فحسب، بل إنها تروي بصمت الحجر حكاية الإنسان، وتمنح حياة بصرية للّون والتركيب.
في زمن الكلام، تختار هي أن “تُصغي” إلى الحجر، وتحوّله إلى “كائن” يعانق الإنسان.
إنّ متابعة فنّها ليست خياراً جمالياً فحسب، بل تجربة إنسانية أيضاً تحلّق بنا في فضاءات السحر والإبداع.

