نحو سيادة مشتركة وحل إنساني.. الوفد السوري في لبنان يفتح صفحة جديدة

الوحدة – بثينة منى
بعد سنوات طويلة من التباعد والشك، تُطوى اليوم صفحة ثقيلة في العلاقات السورية اللبنانية، لتفتح دمشق وبيروت أفقاً جديداً من التعاون والاحترام المتبادل، لم تكن زيارة الوفد السوري، برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني يرافقه وزير العدل مظهر الويس ورئيس أجهزة الاستخبارات حسن السلامة، مجرد بروتوكول دبلوماسي عابر، إنها بالفعل عودة تاريخية الأولى لوزير خارجية سوري إلى لبنان منذ خمسة عشر عاماً، والأولى بعد تحرير سوريا، لتشكل بياناً مبدئياً يؤكد أن سوريا ولبنان اليوم دولتان ذاتا سيادة مستقلتان، لا تقف إحداهما في ظل الأخرى.
إن هذه الزيارة أبعد من كونها مجرد حدث دبلوماسي، إنها إعلان عن إرادة سياسية راسخة لرسم ملامح المستقبل والانخراط المباشر والشفاف في القضايا المشتركة التي طالما ألقت بظلالها المعقدة على العلاقة بين البلدين الشقيقين، تمد سوريا يد الشراكة بوضوح وثقة، مؤكدة أن الاحترام المتبادل يجب أن يحل محل الشك المتبادل، وأن التعامل مع ملفات السيادة، الحدود، اللاجئين، المعتقلين، وكرامة الشعبين يجب أن يتم بروح التعاون الصادق والمسؤول.
من أبرز الملفات الإنسانية الشائكة التي تفرض نفسها على طاولة النقاش هي قضية المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية، لا تزال آلاف العائلات السورية تنتظر بفارغ الصبر عودة أبنائها المحتجزين ظلماً، وكثيرون منهم يروون قصصاً عن تهم مسيّسة ومحاكمات وصفت بالمعيبة. لقد أظهرت سوريا بعد تحريرها، قدراً من الرحمة واحترام القانون بالإفراج عن جميع المعتقلين اللبنانيين دون أي قيد أو شرط، واليوم تتوقع دمشق أن تقابل هذه البادرة بالعدالة والإنسانية نفسها، إن إنهاء هذه المعاناة هو واجب أخلاقي وقانوني يقع على عاتق البلدين.
في المقابل تعترف سوريا بمعاناة العائلات اللبنانية التي لا تزال تبحث عن مصير أبنائها المفقودين على أراضيها، وتتعهد بالتعامل مع هذه القضايا بشفافية وتعاطف عميق، انطلاقاً من فهمها لألم المفقودين، فكل مفقود سورياً كان أم لبنانياً، هو جرح مفتوح لا يلتئم إلا بالحقيقة الساطعة، لا بالسياسة أو المساومة، السعي المشترك للكشف عن الحقيقة وتقديم الإجابات هو الطريق الوحيد لإغلاق هذا الملف الإنساني المعقد.
ولا يمكن الحديث عن العلاقات الثنائية المستقرة دون التطرق بجدية إلى ملف اللاجئين السوريين في لبنان، فسوريا ترفض رفضاً قاطعاً أي محاولة لاستغلال معاناة البشر لتحقيق مكاسب سياسية، فالقضية ليست ورقة ضغط، بل مأساة إنسانية تتطلب التعاون المشترك والشامل لا المساومة أو المزايدة، وتدرك دمشق تماماً الأعباء الاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي يتحملها لبنان جراء استضافة هذا العدد الكبير من اللاجئين، لكنها تؤكد في الوقت ذاته أن أي عودة يجب أن تكون آمنة وطوعية وكريمة، وبما يتوافق تماماً مع القانون الدولي والمواثيق الإنسانية.
يجري العمل بجدية على إنشاء آلية سورية- لبنانية مشتركة لتنظيم هذه العودة الكريمة، والتنسيق الفعال في هذا الملف الحيوي، بعيداً عن أي ضغوط أو تسييس، وبما يخدم مصلحة اللاجئين أنفسهم، ويعزز استقرار البلدين ورفاهية شعبيهما.
إن هذه الزيارة بمحاورها ووفدها تبعث برسالة واضحة لا تقبل التأويل،  سوريا اليوم دولة تتعافى وتنظر بثقة إلى المستقبل، مستعدة للشراكة الحقيقية مع جيرانها على أسس الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة، إنها دعوة صريحة لطي صفحات الماضي المؤلم وفتح آفاق جديدة من التعاون البناء لبناء مستقبل أفضل للشعبين الشقيقين.

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار