الوحدة 1-3-2025
للصوم آداب كثيرة لمن أدرك معنى الصيام، فهو ليس الامتناع عن ملذات الحياة، بل هو في معناه أعمق من ذلك بكثير، لأنه يبحث ويغوص إلى أعماق النفس البشرية المعتادة الراحة والباحثة دائماً وأبداً عنها.
ومن آداب الصيام أنه يلغي الأنا ويحل محلها الآخر، وتلك هي قمة الإنسانية: لأن الطبيعة البشرية في أصلها تقوم على الأنا، وغريزة حب التملك غريزة بدائية تبدأ من مرحلة الطفولة وقبل أن يميز الإنسان ويدرك ويعي تماماً ما يحدث حوله، فإذا نشأت لديه صفة الإيثار، فإنه بذلك يرقى ويعلو في سلم الآدمية. أما إذا سيطرت عليه غريزة حب التملك إلى درجة تجعله لا يقيم للآخر وزناً: فإنه بذلك يتجرد من إنسانيته.
كما أن من آداب الصيام أنه ليس حسياً فقط، بل إن صيام الجوارح لا يقل أهمية، من الناحية الشرعية عن صيام الجسم عن الطعام والشراب: فالنظر يصوم، فلا ينظر الإنسان إلى المحرمات، والسمع يصوم عن سماع ما لا يجوز: واللسان عن الغيبة والنميمة والكذب وكل الذنوب التي يأتي بها اللسان.
فإذا كان للكلام كل هذا الخطر على الإنسان: فلماذا لايكون صيام اللسان طوال العام بدل أن يكون في هذا الشهر الذي نتدرب فيه على الأخلاق الحميدة؟!.
ومن وعى حقيقة ما نتدرب عليه استطاع أن يواصل صيام الجوارح طوال السنة، أما من أساء الفهم وظن أن الصيام ليس إلا جوعاً بالنهار، وتخمة بالليل، فإنه أبعد مايكون عن آداب الصيام.
ومن آداب الصيام مساعدة الفقراء، والتصدق عليهم دون المن والأذى، لأنهما يفقدان الصدقة أجرها وقيمتها، ويجرحان مشاعر الآخرين، ولعل الكلمة الطيبة، كما ورد في القرآن الكريم، خير من الصدقة التي يتبعها أذى.
وآداب الصيام في هذا الشهر كثيرة، ومن وعاها وأدرك بعضها، وقام بها فإنه الصائم حقاً، أما من اكتفى بظاهر الصيام متناسياً باطنه فإنه يكون قد صام عما أحل الله، وأفطر على ما حرمه سبحانه، من الغيبة والنميمة وإيذاء الآخرين.
فانظر أين محلك من كل ذلك، لتكتشف التزامك بالصيام.
لمي معروف